Blog

المحتوى العقيم: عندما تفصل الشركة محتواها عن التجربة الواقعية

norah December 22, 2025 10 hours مضت

على مدى أربع سنوات من العمل في مهنة كتابة المحتوى لشركات ناشئة في مجالات متنوعة، تكرر علي نمط بصورة لافتة وهو: ضعف أثر المحتوى التسويقي مهما كانت جودته من الناحية اللغوية، والسردية، والإخراجية.. إذا أنتج بمعزل عن خبرة (أهل المهنة).

وهنا أقصد تحديدًا غياب “الخبير المتخصص” أو ما يعرف بـ Subject Matter Expert وعدم مساهمته في إنتاج المحتوى.

هذا الغياب – في نظري- أحد الأسباب الجوهرية التي تجعل بعض المشاريع تفقد ثقة جمهورها، أو تفشل شراكاتها التسويقية رغم الجهود المبذولة فيها.

الخبير المتخصص Subject Matter Expert

يُعرّف الخبير المتخصص بأنه الشخص الذي يملك معرفة عميقة، ناتجة عن ممارسة عملية متخصصة، تمكّنه من تقديم رؤى لا تتوفر عبر البحث النظري أو التجربة العامة.

دور الخبير المتخصص في إنتاج محتوى مؤثر

كي تكسب انتباه عميلك اليوم وتبرز بين منافسيك أمامك ثوانٍ معدودة، فالمحتوى مهما كانت صيغته النهائية يجب أن يلامس نقاط الألم الحقيقية التي يعاني منها الفرد، وأن يتكلم بنفس لغته ومصطلحاته المستخدمة في الحياة الواقعية. ويَبرز دور الخبير ليكسبك قيمة حقيقية تصنع أثرًا فارقًا عن منافسيك من عدة نواحٍ:

دقة المحتوى ومدى صحته

بناء ثقة العميل هو أحد أصعب التحديات التي تواجهها الشركات وهو أيضًا من أسهل ما يمكن فقده بمعلومة خاطئة واحدة، وهنا يكمن دور الخبير؛ لمعرفته المتخصصة بخبايا المجال: مصطلحاته، وإجراءاته الفعلية، وما يواجهه العميل في الواقع، فهو أقدر شخص على ضمان دقة المحتوى وصحته.

عمق المحتوى وزواياه

يمكن أن يحقق المحتوى السطحي تفاعلًا مؤقتًا لكنه لا يبني مكانة حقيقية للعلامة التجارية كمصدر مرجعي موثوق، ووجود خبير في عملية إعداد المحتوى يفتح زوايا لا يمكن الوصول إليها في كثير من الأحيان عبر البحث وحده؛ فالخبير يملك خبرة حقيقية تراكمية يمكنه من خلالها تسليط الضوء على نقاط جوهرية تشكّل فارقًا في فهم المنتج أو الخدمة.

يحاكي رغبات العميل الفعلية

لا يعرف الخبير المجال فحسب، بل يعرف عملاءه (مخاوفهم، وأسئلتهم المتكررة، وتفضيلاتهم، وحتى المفاهيم الخاطئة الشائعة بينهم). وحين يُبنى المحتوى على هذه المعرفة يتحول إلى أداة فعّالة تخاطب العميل بلغته، وتقوده إلى  قرار الشراء وتختصر كثيرًا من خطوات الإقناع التقليدية.

هل كل محتوى يحتاج خبيرًا متخصصًا؟

ليس بالضرورة؛ فوجود الخبير يحدث فرقًا كبيرًا في جودة المحتوى وعمقه ومدى تأثيره في أي مجال ولاشك في ذلك، لكن حاجته تختلف من مجال لآخر.

والقاعدة تقول: “كل ما زادت حساسية المجال أو قيمة ما يُسوّق له زادت الحاجة للخبير المتخصص”، فمجالات مثل القانون، العقار، الصحة بشكل عام تتطلب معرفة ودقة في نقل المعلومات ولا تحتمل الخطأ.

صور عمل الخبير المتخصص:

يأخذ الخبير المتخصص أحد دورين داخل المنظومة التسويقية، ويعتمد اختيار الدور الأنسب على مستوى نضج الشركة في السوق:

الشركات الناشئة

في هذه المرحلة لا تزال ثقة الجمهور قيد البناء، فمن الأنسب أن يتجسد دور الخبير في صورة سفير للعلامة التجارية. بمعنى: خبير متخصص يتمتع بمكانة مهنية وسمعة حسنة في المجال ويظهر باسم الشركة، ويكون هو الواجهة التي يتلقى الجمهور من خلالها جزءًا من المحتوى المقروء أو المرئي أو المسموع.

يساعد هذا النموذج على تسريع عملية اكتساب ثقة الجمهور، كما يمنح الشركة مصداقية يصعب تحقيقها من خلال الحملات التقليدية وحدها.

ومع ذلك فمن المهم ألا تعتمد العلامة بشكل كامل على السفير كصوت وحيد، بل تحرص على بناء توازن في الهوية، بحيث يبقى الخبير جزءًا من الصورة لا كلّها؛ فالشخص مهما بلغت خبرته يظل عرضة للخطأ، أو التورط في مواقف شخصية قد تنعكس سلبًا على صورة الشركة.

الشركات الناضجة

في هذه المرحلة تكون الشركة رسّخت اسمها في السوق واكتسبت ثقة جمهورها، فالأنسب لها غالبًا هو أن يعمل الخبير في الكواليس، يقدّم دعمه لفريق المحتوى من خلال التوجيه، والمراجعة، وإثراء المواضيع، وضمان اتساقها مع الواقع المهني دون الحاجة لظهوره المباشر.

وعلى الرغم مما طُرح في هذه المقالة فهذا لا يعني أن كل محتوى بلا خبير هو محتوى فاشل، ولا أن وجود الخبير يضمن بالضرورة أثرًا فوريًّا.

لكن التجربة علّمتني أن كثيرًا من الجهود التسويقية تفقد تأثيرها؛ لأنها لا تستند إلى معرفة حقيقية بالمجال الذي تخاطب جمهوره، أو لحاجتها لصوت موثوق يعبّر عنها أمام جمهورها.